قفزات الرياضة السعودية- استثمارات عالمية وشراكات لتحقيق الريادة

شهدت الرياضة السعودية تحولات مذهلة، واستقطابات واسعة النطاق، وشراكات عالمية مثمرة، بالإضافة إلى تطوير بنية تحتية عصرية وسن تشريعات فعالة. هذه القفزات النوعية، التي تحققت في فترة وجيزة، ساهمت في لفت أنظار العالم نحو هذا المشروع الطموح، الذي وصفته وسائل الإعلام الدولية بأنه "مفاجأة مدوية".
لم يقتصر الاستثمار السعودي على رياضة واحدة، بل امتد ليشمل مختلف الرياضات، بما في ذلك الرياضات العالمية ذات الشعبية الجارفة، مما أثمر عن تحقيق مكاسب اقتصادية متنوعة انعكست آثارها الإيجابية على قطاعات أخرى.
في أول لقاء إعلامي له مع "الاقتصادية"، تحدث ماجد الجمعان، اللاعب السابق في نادي النصر والرئيس التنفيذي الحالي للنادي، وصاحب التجربة الغنية مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي من خلال رئاسته لنادي نيوكاسل الإنجليزي بعد استحواذ الصندوق عليه، مؤكداً أن السعودية ابتكرت نموذجاً استثمارياً جديداً وتبنت في الوقت ذاته تجارب دولية راسخة، وأن هذه المعادلة الفريدة ساهمت في تعزيز مكانتها العالمية بسرعة فائقة.
وكشف الجمعان عن وجود ما لا يقل عن سبعة مستثمرين عالميين يرغبون في ضخ استثماراتهم في نادي النصر، بالإضافة إلى مستثمرين آخرين، من خلال علاقاته الوطيدة، يتطلعون إلى الاستثمار في أندية أخرى مثل الهلال والاتفاق والقادسية والدرعية، وينتظرون بفارغ الصبر فرصة طرح الأندية للتخصيص.
وأعرب الرئيس التنفيذي لنادي النصر عن تفاؤله بأن يصبح الدوري السعودي ضمن أفضل سبعة دوريات عالمية في المستقبل القريب، مشيراً إلى أن استقطاب لاعبين عالميين بارزين مثل كريستيانو رونالدو ونيمار يحمل بعدين: بعداً رياضياً وبعداً إعلامياً، حيث إن التأثير الإعلامي قد يفوق في بعض الأحيان الجانب الرياضي نفسه، مما يعزز مكانة المملكة على الخريطة العالمية.
ومن ثمار الفكر الرياضي المتجدد والخطط الاستثمارية الطموحة، وفقاً للجمعان، حصول نادي النصر السعودي على 74 مليون تفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، ليصبح بذلك أحد الأندية السبعة الكبرى المؤثرة عالمياً في شهر فبراير الماضي.
وتطرق الرئيس التنفيذي لنادي النصر إلى العديد من الملفات المتعلقة بالشأن الرياضي خلال هذا الحوار المفصل.
حاوره: عبد الله البصيلي وإبراهيم محمد
لديك تجربة ثرية مع صندوق الاستثمارات في مجال الاستثمارات الرياضية الخارجية، وعاصرت التحول في الفكر الرياضي المحلي بعد استقطاب السعودية نجوماً بارزين ومشاهير في كرة القدم وغيرها من الألعاب، وإجراء تعديلات جوهرية على التشريعات.. برأيك، ما هي أبرز الإيجابيات التي تحققت؟
من خلال رؤيتي المتعمقة، أرى أن 6% من الناتج الوطني سيرتكز على قطاع الرياضة، الذي شهد طفرة هائلة من خلال استقطاب نخبة لاعبي كرة القدم وتنظيم أكبر البطولات العالمية في الملاكمة والتنس. هذه القفزة النوعية عززت مكانة المملكة على الساحة الدولية وأبرزت دورها الريادي.
تتسم العوائد التي ستعود على السعودية من الاستثمار الرياضي بالتنوع، وتشمل قطاعات متعددة، فهناك عوائد مباشرة وغير مباشرة. ففي الماضي، كان العائد الوحيد من كرة القدم مقتصراً على بيع التذاكر، أما الآن فقد أصبحت العوائد متنوعة وغزيرة، مثل حقوق النقل التلفزيوني، والإعلانات، والرعايات، وغيرها الكثير.
لم يعد التركيز محصوراً داخل حدود المملكة فحسب، بل أصبح للرياضة السعودية حضور عالمي في مختلف المجالات، سواء في رياضة الجولف أو كرة القدم أو الملاكمة أو التنس، وأصبحت المملكة العربية السعودية رائدة في جميع هذه الرياضات.
كيف أسهم وجود اللاعبين الكبار والمشاهير، سواء في كرة القدم أو غيرها من الألعاب، في خدمة الرياضة السعودية؟
إن استقطاب لاعبين عالميين من طراز رفيع، مثل كريستيانو رونالدو ونيمار، يحمل في طياته بعدين: بعداً رياضياً وبعداً إعلامياً مؤثراً. فالتأثير الإعلامي، في بعض الأحيان، قد يكون أقوى وأعمق من الجانب الرياضي نفسه، مما يعزز مكانة المملكة على الصعيد العالمي ويبرزها كوجهة رياضية جاذبة.
قد يركز العالم على الجانب المادي فقط، متسائلاً عن حجم المبالغ التي يتقاضاها هؤلاء اللاعبون! ولكن بالنسبة للسعودية، فإن هذا الاستثمار الرياضي يمثل هدفاً استراتيجياً ضمن رؤية 2030 وما بعدها. فنحن على أعتاب استضافة كأس العالم 2034، بالإضافة إلى العديد من البطولات الكبرى الأخرى، والهدف الأسمى من ذلك هو بناء منظومة رياضية متكاملة وشاملة، تضم كرة القدم وعدداً كبيراً من الألعاب الأخرى.
على سبيل المثال، تمكنت السعودية من فرض سيطرتها على رياضة الجولف، وهي رياضة لم يكن أحد يتوقع أن تبرز فيها المملكة وتتصدر المشهد. واليوم، أصبحت رياضة الجولف من أبرز الرياضات العالمية، حيث تشهد إقامة 14 بطولة حول العالم. وقد بات هذا الأمر حديث وسائل الإعلام الدولية، سواء في مجال كرة القدم أو الجولف أو الملاكمة، مما يؤكد على الدور المتنامي للمملكة في المشهد الرياضي العالمي.
فيما يتعلق بجذب المستثمرين، هل تتوقع تدفق المزيد من المستثمرين العالميين خلال الفترة المقبلة؟
أؤكد لكم أن لدي حالياً ما لا يقل عن سبعة مستثمرين عالميين يرغبون بشدة في ضخ استثماراتهم في نادي النصر. وقد تواصل معي أحد المستثمرين للاستفسار عن آليات الاستثمار في نادي الدرعية، بينما طلب آخرون التواصل مع ممثلي أندية الاتفاق أو القادسية أو الهلال، وبالطبع قمت بتسهيل التواصل بينهم.
كما أن أحد المستثمرين حضر برفقة وفد من نادي إنتر ميلان الإيطالي للتحدث معنا. وهناك مستثمرون أجانب آخرون لديهم رغبة جامحة في اقتناص فرصة طرح الأندية للاكتتاب، حتى يتمكنوا من الاستثمار في القطاع الرياضي السعودي أو في نادينا على وجه الخصوص.
توسعت السعودية في استثماراتها الرياضية على المستوى الدولي، مثل استثمار صندوق الاستثمارات العامة في نادي نيوكاسل. ما هو الهدف الأساسي من هذا التوجه؟
تتجلى الأهداف الاستراتيجية لصندوق الاستثمارات العامة بوضوح تحت قيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، ومحافظ الصندوق الأستاذ ياسر الرميان. وقد تبلورت هذه الفكرة منذ فترة طويلة، وكان هناك توجه راسخ نحو استثمار السعودية في قطاع الرياضة بشكل شامل ومتكامل.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك، نادي نيوكاسل الإنجليزي، الذي شهد تحولاً جذرياً خلال فترة وجيزة. فبعد أن كان الفريق مهدداً بالهبوط، أصبح ينافس بقوة على المراكز المتقدمة، وتأهل إلى دوري أبطال أوروبا، وحقق سلسلة من الإنجازات اللاحقة. وهذا الإنجاز لم يكن مجرد تطور لنادي نيوكاسل فحسب، بل كان له تأثير كبير على الرياضة في السعودية ككل، حيث ساهم في استقطاب لاعبين كبار من طراز عالمي، وعلى رأسهم كريستيانو رونالدو ونيمار.
تمتلك السعودية اليوم قوتين ضاربتين: قوة رياضية وقوة إعلامية، وهذا ما أوصلنا إلى مستويات متقدمة على الصعيد العالمي.
يدور في أذهان الجميع سؤال مهم: إلى أي مدى يمكن أن تصل السعودية في ملف الاستثمار الرياضي، خاصة وأن القفزة التي حققتها كانت هائلة وفي فترة زمنية قصيرة؟
عندما تتأمل الرياضات التي استقطبتها السعودية، ستدرك أن الأمر لم يأتِ من فراغ. فصحيح أن كرة القدم كانت موجودة منذ زمن طويل، ولكن لم يكن أحد يتوقع أن يشهد الدوري السعودي هذه الطفرة الهائلة.
على سبيل المثال، في شهر يناير من العام الجاري، احتل نادي النصر المرتبة 74 عالمياً من حيث التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، ليحتل المركز الثامن. وفي شهر فبراير الماضي، قفز إلى المركز السابع عالمياً، وهذا إنجاز ضخم بكل المقاييس، بالنظر إلى العدد الهائل للأندية حول العالم.
أما في رياضة الجولف، فقد تم الاستثمار فيها بطريقة مدروسة ومتقنة، وتم استقطاب لاعبين عالميين من الطراز الرفيع، لتصبح واحدة من أكبر البطولات العالمية وأكثرها جاذبية.
كما شهدت رياضة الملاكمة نقلة نوعية بفضل الجهود المتميزة للمستشار تركي آل الشيخ، الذي يتمتع بفكر استثماري رياضي فريد من نوعه، حيث نجح في استقطاب هذه الرياضة بأسلوب ذكي، جعل المملكة وجهة رئيسية ومفضلة لها.
تستثمر السعودية حالياً في مختلف الرياضات، مثل التنس، والبادل، وركوب الدراجات، وغيرها الكثير. ومن المؤكد أن هذا الاستثمار سيوفر عوائد كبيرة للوطن. ويؤكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، دائماً على أن أبناء الوطن هم الثروة الحقيقية، وأن الاستثمار فيهم سيعود بالنفع على الجميع.
وفيما يتعلق باللاعبين، يستطيع أي فريق في الدوري السعودي استقطاب أي لاعب من أي فريق في العالم، لأنه أصبح هناك عدد كبير من اللاعبين حول العالم يرغبون في اللعب في الدوري السعودي المرموق.
هل تعتقد أن السعودية غيرت شكل الاستثمار الرياضي، أم أنها تبنت تجارب عالمية ناجحة؟
في الحقيقة، هناك ابتكار وتطوير، وهناك تبني لتجارب عالمية ناجحة. وعلى سبيل المثال، تحويل رياضة الجولف إلى رياضة جماعية يُعد ابتكاراً فريداً، حيث إن العالم كان يعرف هذا النظام في الجامعات الأمريكية فقط، بينما قمنا بتطويره على مستوى المحترفين. أما التطوير، فهو جانب مهم جداً، لأن أي شيء يصل إلى مرحلة النضج يحتاج إلى إعادة ابتكار لكي يستمر في النمو والازدهار، وهذا تحديداً ما تفعله المملكة في قطاع الرياضة، الذي يتفرع إلى شقين: رياضي وترفيهي.
لا يمكن أن نتجاوز صفقة انتقال كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر في حديثنا معك، حيث كانت الأبرز ليس فقط على مستوى السعودية، بل على مستوى العالم. ما الذي تعنيه هذه الصفقة للمملكة عموماً ولنادي النصر على وجه الخصوص؟
العمل مع كريستيانو رونالدو كان أسهل مما توقعنا، فهو شخص محب للرياضة وللمملكة العربية السعودية. لقد تحدثت معه مطولاً، ووجدته مهتماً بالسياحة في السعودية بكل أنواعها، وهو يزور أماكن لم نكن نتوقعها. كما أنه شغوف جداً بدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يحرص على لقائهم والتقاط الصور التذكارية معهم، وهذا يدل على أنه ليس مجرد لاعب كرة قدم، بل هو شخصية مؤثرة وكيان متكامل. العلاقة بين رونالدو والسعودية أعمق بكثير مما يعتقد البعض، فهو يعشق ناديه ويحب هذا البلد المضياف، وهذا ما يجعله محبوباً لدينا جميعاً.
جئت بفكر استثماري جديد إلى نادي النصر، فهل هناك شراكات استثمارية قادمة في المستقبل القريب؟
بالطبع، نحن على تواصل دائم مع وزارة الرياضة، وصندوق الاستثمارات العامة، والاتحاد السعودي للجولف، ورابطة الدوري السعودي للمحترفين. وهناك العديد من الأفكار الواعدة التي ستسعد الجميع وستعزز مكانة السعودية في مجال الاستقطاب الرياضي، وكل ذلك سيخدم الرياضة المحلية ويعمل على إعلاء شأنها.
كيف ترى مستقبل الدوري السعودي في ظل هذه التطورات المتسارعة؟
أتوقع أن يدخل الدوري السعودي ضمن قائمة أفضل 10 دوريات في العالم، بل أرى أنه سيكون ضمن أفضل 7 دوريات عالمياً دون أدنى شك، وذلك خلال فترة ليست بالبعيدة جداً. والمعادلة الدقيقة التي وُضعت لاستقطاب اللاعبين الأجانب كانت ناجحة جداً، والآن بات الدوري السعودي وجهة مرغوبة من قبل العديد من اللاعبين المرموقين حول العالم، وذلك بفضل العمل الجبار الذي تحقق خلال الأعوام الماضية، والصورة الإيجابية التي نقلها اللاعبون والمدربون الأجانب.
كيف توازن بين تطوير كرة القدم وتعزيز الاستثمار في النادي في آن واحد؟
التطوير الرياضي والاستثمار يسيران جنباً إلى جنب بتناغم وانسجام. فعندما تستقطب لاعبين عالميين من طراز رفيع، فإنك تحقق عائداً استثمارياً قيماً أيضاً. فعلى سبيل المثال، هدف اللاعب دوران في النادي الأهلي تمت إعادة بثه بلغات متعددة ولفترات طويلة، مما زاد من انتشار الدوري السعودي على نطاق عالمي واسع، وهذا يعد جزءاً من الاستثمار الخارجي. كذلك، نركز في نادي النصر على تطوير البنية التحتية للنادي، واستخدام أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وتوظيف الكوادر الوطنية المؤهلة، وهذا يحقق عوائد محلية ودولية على حد سواء.
برنامج الخصخصة الذي تنفذه وزارة الرياضة يعد من المشاريع الكبرى التي ستغير وجه الرياضة السعودية، حدثنا عن هذا المشروع الطموح؟
الاستثمار في الرياضة السعودية بشكل عام، وفي الأندية الرياضية بشكل خاص، سيكون له مردود إيجابي كبير جداً، سواء على المشجع أو المستثمر على حد سواء. وتعمل وزارة الرياضة، بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، وفق رؤية واضحة المعالم، وبرنامج الخصخصة سيغير مستقبل الرياضة السعودية بشكل جذري. كما أن تحويل الأندية الرياضية إلى شركات سيوفر نموذجاً إدارياً واستثمارياً أكثر احترافية وفاعلية، وسيرفع من القيمة السوقية للدوري السعودي على المستوى العالمي، ليصبح من بين الأفضل على الإطلاق. وفي اعتقادي الشخصي، فإن هذا المشروع الطموح سيرفع قيمة الرياضة السعودية عالمياً إلى مستويات غير مسبوقة.